السكسوطائفية
غوى صايغ: أهلًا بالجميع، إسمي غوى صايغ وإنه لَمِن دواعي سروري أن أخوض اليوم محادثة مع مايا مكداشي. أمضت مايا ما يناهز العقد من الزمن في دراسة الارتباطات الكائنة ما بين سؤال الجنسانية والطائفية عالميًا، وفي لبنان على وجه الخصوص. تُبيّن لنا مايا كيف أن منتظمَي السلطة الجنسانية والطائفية لا يتقاطعان وحسب بل ينسجان مُجتمعَين معالم الواقع السياسي الذي يحكم عالمنا اليوم. يتمظهر هذا الواقع السياسي بجلاء في الساحة اللبنانية على مدار السنوات الثلاث الماضية. لنستهلّ الحديث، نطلب منك مايا أن تعرّفينا على كتابك.
مايا مكداشي: "السكسوطائفية: السيادة والعلمانية والدولة في لبنان" هي إثنوغرافيا (وصف الأعراق البشرية) سلطة الدولة في لبنان، يُمكننا أن نستكشف من خلالها تجربة الدولة من زوايا مختلفة: محكمة النقض ونشطاء وقضاة ومحامون وأشخاص عانوا الاحتجاز، والمتحوّلون إلى ديانات مختلفة وباحثون مثلي. يستخدم الكتاب أساليب أرشيفية وإثنوغرافية ونسوية ويحاول إثارة الجدل بينها. إحدى الطرق التي أحبّ التفكير فيها تكمن في تصوّر عالم الكتاب، ومعنى الكتاب في هذا العالم. إننا نعيش ضمن فهمٍ متزايد من العولمة – وفهم وشعور طائفي متزايد – للاختلاف السياسي. ما أعنيه بذلك هو أن الاختلاف السياسي نفسه أصبح يُفهم كنوعٍ من الهوية الثقافية التي يتشبّث بها الناس، والتي تُشكّل إلى حدّ كبير بنية الشعور بحدّ ذاتها. وهذا صحيح بالنسبة لهذه الاختلافات السياسية المتشددة عالمياً وإقليمياً وضمن الدول القومية. إن الاختلاف بين الطريقة التي ينظر بها الناس إلى سياساتهم وسياسات الآخرين هو طائفي بطبيعته، سواء داخل الدولة القومية أم بين الدول القومية من حيث الجغرافيا السياسية. ينتقل هذا الفهم الطائفي للاختلاف السياسي ليتاجر بالجندرية والجنس، وفي الاختلاف الجنسي، لذا يصبح الجنس والجنسانية نقطتي التعبير عن هذا الاختلاف السياسي، لذا أفترض هنا أن هذه هي عملية الاختلاف في تطييف الجنسانية. الطريقة الثالثة التي أفكّر بها في عالم الكتاب، هي التفكير في كيفية تعرّض عددٍ مُتزايد من الناس اليوم إلى النزوح والهجرة الجماعية، من خلال الضغط والتغيير المناخيين والحرب والعنف والتقسيم الطبقي الاقتصادي والهجرة الاقتصادية. يتمخّض عن هذا كلّه قلقٌ عرقي وحضاري وديني وديموغرافي. أعتقد هنا أن من المهمّ أن نلاحظ كيفية تحويل الجنسانية إلى مسألةٍ أمنية بطريقة تعكس الكثير من هذه المخاوف، وتجارب الأشخاص الذين يضطرون إلى خوض مثل هذه المُقاربات الأمنية. هذه المُقاربة الأمنية للجنسانية مرتبطة بشكل وثيق بأجساد النساء والإنجاب والتركيبة السكّانية ودولة الثقافة القومية – بمعنى فكرة الأمُّة باعتبارها دولة أمنية. تلك هي المجالات الثلاث التي يتناولها كتابي السكسوطائفية في العالم. وهي بالتأكيد أغنت عملية كتابة هذا العمل.
هنالك شيء يشغل بالي طوال الوقت ألا وهو الفارق ما بين كيفية إدراكك للمكان الذي تأتي منه وكيفية إدراك الآخرين للمكان الذي تأتي منه. هنالك نوع من السجالات الأكاديمية بشأن لبنان، والسؤال يكمن في: هل لبنان استثنائي؟ أم أنه يُنظر إلى لبنان بكونه ذاك المكان الصغير والغريب في ظل كلّ هذه التباينات – الذي يختلف إلى حدٍ كبير عن أي مكان آخر في المنطقة – ولذا يمكنه هو فقط أن يشرح لك نفسه؟ واعتقادي أن لبنان نموذجيُّ إلى جانب كونه استثنائي. ما أعنيه بذلك هو أنه يمثل حقّاً نقطة تركيز للعديد من الظواهر العالمية. ولو نظرنا – على سبيل المثال – إلى قانون العائلة وقانون الأحوال الشخصية، والدور الذي يلعبه قانون العائلة في الدول القومية في إطار السياسة والنظم القانونية وفي سياق السجالات حول السيادة، سنجد لبنان مكاناً نموذجياً تماماً للتفكير بشأن هذه العلاقة لأنه يحوز أعلى عدد من قوانين الأحوال الشخصية على الرغم من أنه واحد من أصغر البلدان. وكذلك فإن لبنان لديه أعلى تركيز من اللاجئين والنازحين في العالم. فهناك لاجئ أو نازح واحد مقابل كل ثلاثة من المواطنين. ولو أضفنا كل الحالات الأخرى وواقع المجتمع السياسي فإن النسبة ستكون أكبر من 1-3. فلبنان مكان نموذجي لدراسة مثل هذه الظواهر المختلفة التي لا تنتهي. المناقشات عبر العالم بشأن القلق الديموغرافي والتمييز القانوني والبيروقراطي، وأمْنَنَة النازحين واللاجئين وأمننة الجنس والذعر الأخلاقي المواكب له. وهو ما يصبح أكثر فأكثر كثافة حيث العالم نفسه يغلي.
غوي صايغ: أنت وأنا كنّا في نقاش وعلى تواصل حتى الآن ولفترة طويلة. وفي الواقع التقينا بالتحديد عندما كنت تقومين بالعمل الإثنوغرافي لهذا الكتاب. وكما تقولين فإن تجربة الدولة ليست استثنائية في السياق اللبناني أو فيما يخص حدود الدولة القومية، وهي أيضا انعكاس العالم الذي نعيشه اليوم. ويبدو لي الآن مما تقولينه أن ما ترينه في العالم وتجربة أن هذا التركيز لا يأتي من الفراغ. فهو أمر شاهدناه على مر عقود. ولنبدأ ببعض الأفكار بشأن صعوبة إجراء هذا البحث في سياق سياسي كالذي كنّا نعيشه من عام 2009 وحتى عام 2014.
م.م: باعتبار أنك عشت تجربة هذا الكتاب معي بشكل ما خلال عملية الكتابة والبحث والنشر فإن هناك أشياء كثيرة يمكننا أن نتحدّث عنها. أريد أن أشير إلى أن اليوم هو الذكرى الثالثة لانتفاضة 2019 في لبنان. ومن المهم أن نؤكد – على الأخص بشأن القدرات التحريكية وبغض النظر عن النتيجة – أن هذه القدرات التحريكية لهذه الاحتجاجات أمر، في اعتقادي، علينا أن ندافع عنه بحماس. والسبب لاعتقادي هذا يرجع إلى أنني عندما أفكر في التتابع الزمني لهذا الكتاب أجد انتفاضة 2019 تلعب دوراً كبيراً. ولو عدنا إلى عام 2008 – وأنا بدأت بحثي من عام 2009 وحتى عام 2011 – فما الذي كان يحدث حينها؟ أوّلا أزمة وانهيار مالي عالمياً مهّدت الشروط لإعادة هيكلة النظام البنكي الاقتصادي في لبنان. وذلك جزء من النقاش الذي يعود إلى عام 2008 وبالطبع فإن الانهيار البنكي الذي أدى إليه يتشكّل بالموقف الحالي في لبنان ويشكّله. وكان بحثي بعد نحو عام من نزاع آذار/مارس 2008 في لبنان ولذا فهو حاضر بقوة في أفكار الشعب وحياته وبالطبع كان ذلك بعد شنّ إسرائيل الحرب على لبنان بوقت وجيز. وهكذا أدّت سنوات النزاع الثلاث هذه بالتأكيد إلى حراك في المشهد السياسي والاجتماعي وكانت بالطبع بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في عام 2006. ولوصف المشهد فلدينا على الصعيد القومي سنوات الصراع الثلاث هذه وأزمة مالية عالمية في الخلفية. وغزو واحتلال العراق كان جزءاً من كل هذا وكذلك أفغانستان ولكن العراق بالتحديد كان له الأثر الأكبر على لبنان.
غ.ص: أجد أن قدرتك على التنقل في بحثك وكتابك بسرعة بين مساحات متعددة مثيرة للاهتمام بشكل خاص. هناك جانب نَشِط للغاية وهو ما يتعلق بكونك في تجمّع مع أشخاص لديهم تاريخاً من النشاط "السياسي" ومن النظر بشكل مغاير إلى الدولة رغم بقاء المطالبات بدولة أقوى. وسؤالي الآن يتعلق بدراسة مؤسسات الدولة نفسها. وأفكّر في نفاذك إلى أرشيف محكمة النقض وتمكّنك من إنجاز هذا العمل الإثنوغرافي ونفاذك الذي تصفيه في كتابك باعتباره أيضاً ذا طبيعة اجتماعية – كيف نتناول القابلية المجتمعية في مثل هذا السياق وكيف يمكن لذلك أن يمنحنا مدخلا يتوقف على موقعنا في زمان ومكان معيّنين. وأنا مهتمّة بسماع المزيد عن الكيفية التي تناولتِ بها النقطتين في نفس الوقت ومقاربة الأرشيف التي تصفينها بأنها نسوية. فكيف حينما ندرس مؤسسات الدولة نرى المقاربات النسوية وهي ليست من داخل القواعد الاجتماعية لهذه المؤسسات نفسها؟
م.م: إنه بالفعل سؤال مهم. وكما أشرت أُجري الجزء الأكبر من بحثي في مؤسسات الدولة وداخل الحركات "السياسية". ولم أكن أعمل فقط على الحركات الاجتماعية، فقد كنت أعمل بالتحديد على قضية العلمانية وقانون الزواج المدني. والآن يمثّل المحامون الذين عملوا على هذا المشروع لعقود، العدد الأكبر من النشطاء وأعضاء جماعات الحركة الاجتماعية في هذا المجال. يلعب المحامون الدور الأبرز في هذه الفئة من النشطاء ويعرفون الدولة عن ظهر قلب. وأصبح ذلك بالنسبة لي واحد من الخيوط التنظيمية التي سمحت لي بالحركة بين هذه المساحات وإجراء مناقشات مع طرفَي قضية الدولة بشكل متساوٍ. وعند الحديث عن مؤسسات الدولة، أرشيف محكمة النقض، ومحاكم الأحوال الشخصية المتعددة، فإنه من المهم الحديث عن كيفية الحصول على النفاذ إلى هذه الأماكن. كنت أدرس لرسالة الدكتوراة وأحضر فصلاً في مدرسة الحقوق في جامعة كولومبيا، التي زارها قاضٍ كبير من لبنان لإلقاء محاضرة. كنت في المحاضرة ووجّهت له سؤالاً ودخلنا في سجال كبير. وكنت مدعوّة على عشاء معه ومع أستاذي لمادة القانون وقضينا الليلة كلها في جدال. وأعتقد أن الجدال بشكل ما نوعاً لبنانياً من الفنّ وعادة ما يكون وسيلة تجعلنا نتقارب. قد يكون الجدال أحياناً مثل سيّء ولكن له أن يخلق حميمية بطرق مثيرة حقاً، فلمجادلة شخص ما عليك أن تثق به وتهتم به بدرجة كافية. وفي النهاية وكأنه قال "خلاص بمجرد عودتك إلى لبنان تعالي لمقابلتي ولن تكون هناك مشكلة في العمل على مؤسسات القضاء". وعندما عُدت ذهبت للقائه وتحدّثنا عن بحثي – وقضيت معه وقتاً طويلاً. وأرسلني إلى الأسفل إلى الأرشيف، وعندما كنت في الأرشيف تعرّفت بالمسؤول عن الأرشيف للمحكمة المحدّدة التي كنت مهتمّة بها. واكتشفت أن هذا الشخص كان جاراً لخالتي. هناك جانبان مختلفان تماما لما أقصده ولكيفية نفاذي إلى الأرشيف – كنت جزءاً من هذا العالم الاجتماعي. الأول من خلال الدوائر المتخصصة العابرة للقومية والحراك الطبقي والثاني كان أكثر محلّية وعائلياً ومؤسَّس على الجيرة مع المسؤول عن الأرشيف.
عندما نتحدّث عن منهج نسوي هنا فإن هناك نقاش كبير بشأن قضية الأرشيف عندما نتطرّق إلى الأنثروبولوجية وبشأن الإثنوغرافية عندما نتطرّق للتاريخ. لذا، وعبر محاولة التفكير بين هذين المجالين للأنثروبولوجيا الأرشيفية والإثنوجرافيا التاريخية فإن المناهج النسوية ساعدتني حقا بدرجة ما بسماحها لي بأن أنأى عن مركزيتي كمؤلف وأنظر بدلا عن ذلك إلى مجمل نسيج الإنتاج المعرفي الذي يشكل الأكاديميون منه جزءاً صغيراً. وقد أتاح لي ذلك أن أكون أكثر انفتاحاً على أن أكون صادقاً بشأن كيفية تطور المشاريع البحثية، وكيف تتطور كثيراً بالتواصل مع الآخرين. وكان هذا صحيحاً تماماً فيما يخصّني وبشأن مسؤول الأرشيف في محكمة النقض. لدى الناس أحياناً انطباع عن مؤسسات الدولة باعتبارها تلك الأماكن المكئبة الرمادية، لكنها أيضاً إلى حد كبير أماكن اجتماعية حيّة. فتقريباً كلّ شيء يحدث في الحياة يحدث في هذه الأماكن بمقاييس مختلفة. وما أعنيه بذلك أن هناك صداقات ومنافسات وأعياد ميلاد ونقاش بشأن السياسة. إنه عالم اجتماعي مكتمل ومَرِن أيضا لأن هناك أناس يدخلون إليه ويغادرونه باستمرار طوال الوقت – لأنهم يحتاجون النفاذ إلى المحاكم الفعلية للدولة. وأصبح ذلك مقياساً للتفكير عن الدولة مثيراً للاهتمام بدرجة كبيرة وحميمي باعتباره مجال حيّ – وكلّ العمل الذي تستلزمه لخلق وظيفية الدولة أو صورة الدولة. وهو أمر ينطوي على تناقض فهي مادية بشكل كبير واجتماعية بشكل كبير. وبهذه الطريقة فهي ليست مغايرة تماما للحركات الاجتماعية.
غ.ص: إنّك تقدّمين النقد وتفنّدين بالنقاط أفكارك المتعلقة بها، لكن هنالك سخاء في مُقاربتك لهذا المجال العائد إلى ما كنت تقولينه من حيث كيفية ممارستك للمنهجيات النسوية. بالعودة إلى تلك الحقبة من عام 2009، شكّل إجراء تلك الحوارات حينها منعطفاً مشكّلاً ومُحوّلاً لسياساتي. كان طريقةً في أن تكون مُسيَّساً في العالم. كيف السبيل إلى الخوض عبر كلّ تلك التوترات؟
م.م: باعتقادي إن أحد ما يواجهنا من تحدّيات يكمن في تواتر وكثرة ما يجري من أحداث، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان التمسّك وتذكّر مدى أهمية أحداث معيّنة، خاصةً ضمن سياقنا. إنها بمثابة مهزلة كون كُتُب التاريخ الرسمية اللبنانية تنتهي عند عام 1943 مع الاستقلال، ما يعني أنّ كلّ التاريخ اللبناني المعاصر المليء بالأحداث ليس جزءاً من منهج التاريخ الوطني. وضمن نفس هذا السياق يُصبح من الصعوبة التمسك بأهمية "نهر البارد" وكيف فتح أمام الكثيرين من الناس أُفق ذاك الفهم الصارخ لما يعنيه أن تكون مواطناً وغير مواطن، وأنواع العنف التي يُمكن للمرء التعرض إليها لكونه لاجئاً. إن لحظات الإدراك تلك دورية: ربما تَعلَّم مَن هم أكبر سنّاً منّا ذاك الدرس في وقت مبكر، بالتحديد حول خبرة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ومخاطر المواطنة عندما يتعلّق الأمر بالعنف المنظَّم، والطُرُق التي يمكن أن يكون بها هذا العنف بحد ذاته لحظة لبناء وطن، وما يعنيه أن تكون لبنانياً. أذكر تماماً وأنا متأكدة من أنك تذكرين أيضاً، كلّ تلك اللوحات الإعلانية التي خرجت حول مجريات "نهر البارد"، والتي تمحور جلّها حول الجيش وهذا النوع من الخطاب الذكوري والوطني الذي تمخّض وساهم بنحو فعّال في إنتاج فكرة "مَن هم اللبنانيون"، على وجه التحديد بعد الانقسام المهول الذي أفرزته حرب عام 2006. لم يحدث ذلك بمحض الصُدفة. ومجدداً في عام 2008، فإنه وبالنسبة للكثيرين ممّن لم يُعاصروا الحرب الأهلية، هي الأقرب إلى حدثٍ مرعب جداً، وهي لا تتوقف عند تلك اللحظة بل تتعداها إلى الإحساس بأنها قد تندلع في أية لحظة، وبأنها قد تستمرّ دون نهاية. من الصعب جداً تذكّر أمرين، أولاً، بسبب كل شيء حدث منذ عام 2008، يصبح من الصعب العودة إلى تلك السنة والتفكير في مدى أهميتها، وما حرّكته بين الكثيرين من الناس، أحدها حركةٌ مناهضةٌ للطائفية. لكن من المهّم أن نذكر أيضاً أن تلك اللحظات التي اختبرناها دورية. وبالتأكيد فإن جانباً آخر من هذا الفهم هو التفكير في عُمّال الكفالة، وبعد "نهر البارد" في 2007، التفكير في الحرب السورية – وما جرى عندما نزح مليون ونصف من السوريين إلى لبنان. مُجدداً أصبح الرهان على المواطنة جليّ.
حقيقة أنّه علينا التوصّل باستمرار إلى هذا الوعي يُعَدّ دليلاً على كيفية محو تاريخ الفلسطينيين وتاريخ غير المواطنين في لبنان بشكل كامل.
غ.ص: بالعودة إلى ما كنتِ تقولينه عن اختبار العلاقة بالدولة، يبدو لي أن جانباً كبيراً من اختبار العلاقة بالدولة من منظور مواطن هو إمّا أنها "ليست اختباراً للعلاقة" بسبب كونها مُدمجة في خلفية واحدة، أو أنها اختبارات حمائية. أُفكّر في بعض اللحظات من عام 2019 عندما شعر بعض المتظاهرين بالدهشة لاختبار عنف الدولة. لقد كان عُنفاً شعَرَت به واختبرَته الكثير من المجتمعات في الماضي، وبالرغم من ذلك فقد كان مُصمَّماً ليكون استثنائياً في سياق الحراك. وهنالك طبقات عديدة لهذه العملية: حِراك 2019 الذي بدأ في 17 تشرين الأول/أكتوبر جاء بمثابة ما بعد الصدمة لانتفاضة الفلسطينيين في المخيمات صيف عام 2019، إن نظرنا إلى بنيوية الطائفية، وكيف جرى تطبيق قوانين العمل من قِبل الدولة تجاه غير المواطنين. هذا من ناحية، ومن ناحية أُخرى إن نظرنا إلى التأريخات الدورية، إن عدنا إلى ما نريده من الدولة مِراراً وتكراراً، فإن هنالك مطالب دورية. فإنها لم تفشل وحسب بل هي تجعل تلك المؤسسات وبالأخص الدولة، أكثر ضراوةً وعنفاً في ردّها على هذا النوع من التنظيم. بالانتقال إلى عام 2019 فإني أتساءل حيال فحوى ما كان يعنيه تكرار المطالبات بدولةٍ أقوى، حقاً؟
م.م: باعتقادي فإن هنالك تتابع دوري لطرفَيّ الطيف، وباعتقادي أن اختبار الدولة مسألةٌ مختلفةٌ تماماً بالنسبة إلى المواطنين وغير المواطنين، وبالنسبة للكويريين وغير الكويريين، وبالنسبة للأغنياء وللفقراء، وبالنسبة للناس الخاضعين لنظام الكفالة وغير الخاضعين له وهكذا دواليك. إن تجربة الدولة بالنسبة للمواطنين أو مَن هم تحت عنوان المواطنة لهي تجربة بيروقراطية إلى حدٍ كبير – دولةٌ حمائية بطُرُق عدّة والتي تُعيد تشكيل الكثير من قوتها عبر خطاب الحمائية. إنه نوعٌ خاص جداً من الحمائية المتوحشة والعنيفة. إن لم تكن مواطناً، أو إن كنت مواطناً ولكنك جزءٌ من مجموعةٍ مستضعفة، فإن تجربة الدولة عنيفةٌ جداً، وتتّسم بالأمنية العالية. إنها تجارب مختلفة بنحو صارخ. كلّما سمعت اللازمة القهرية "وينيي الدولة؟" (أين هي الدولة؟) والتوق إلى دولةٍ أقوى لتَحُلّ مشكلاتنا، أو تكون أحد الحلول لمشكلاتنا، فإني أفكّر دوماً ما الهيئة التي قد تكون عليها تلك الدولة القوية، وكيف قد تكون بالنسبة إلى أناس مختلفين، وما الذي يعنيه أن نحظى بدولةٍ أقوى في الوقت الذي تُعَدّ فيه خبرة الدولة متمثّلة بالبطش والعنف بالنسبة إلى الكثيرين. حقيقة أن هذه المطالبة أو الرغبة تكاد تكون لا تُقاوَم وتتكرّر بشكل دوري، لهي مسألة متعلّقة بالاختلاف الشاسع في الخبرة مع الدولة. وقد ظهر هذا الأمر بالتأكيد مجدداً في عام 2019 حيث تمخّض أحد الحلول بكونها "دولة قوية"، دولة ذات سيادة على كلّ مناحي حياة الناس. كان الأمر متعلّقاً بالعنف السياسي الذي فُهِم بشكل ضيّق باعتباره القرارات المتعلقة بالحرب والسلم، ودولة قادرة على تجاوز القيادات السياسية – دولة قادرة على محاسبة القادة السياسيين. هناك جانبان لهذه المطالبة بدولة قوية، وهو أمرٌ يشمل مؤسسات مثل القضاء. لكن بالتأكيد فإن الجزء الأول من العنف السياسي لهو فَهم ضيّق لحقيقة ما يعنيه العنف السياسي، والمتمثّل في ممارسة الدولة للعنف، وكيف تستثمر في أنواع معينة من السيادة وسياسة الجسد. إن العنف والأمن لهما مكوّنان رئيسيان لهذه السياسات المتعلقة بالجسد من قِبل الدولة، لهذا وفي عام 2019، وقد تطرّقتُ إلى ذلك في كتابي، لم تكن مشاركة كلٍّ من الكويريين والمهاجرين والناس من المجتمعات المستضعفة في الانتفاضة صدفة، لأنهم كانوا يعلمون تماماً ماهية الدولة وممارساتها. لم يكونوا واهمين بأن الدولة لن تهاجمهم، وبأنّ تلك الأجهزة الأمنية ستقوم على حمايتهم هم في وجه الدولة – بل في أن هذه الأجهزة الأمنية كانت ستفرض وصاية الدولة. وهم يعلمون ذلك لأن لديهم معرفةً محسوسة لهذه الخبرة مع الدولة لعقود طويلة.
عندما كنتُ أقوم ببحثي، كنت منخرطةً بقوّة في النشاط النسوي والكويري وفي الحركات الاجتماعية، كنت أراقب كذلك الحركات الاجتماعية المختلفة المتمحورة حول قوانين الأحوال الشخصية، كذلك كنت أعمل على موضوع الدولة. يمكنك اللجوء إلى مساحةٍ نسويةٍ كويرية لتخوضي نقاشاً مهمّاً بالفعل بالنسبة إليك. أحدهم يقول شيئاً فيُلهمك بشيء ما، أو يُشعرك بالغضب، فتُنفّسين عن غضبك مع هذا الشخص. نوعاً ما فإن تلك المساحات موجودةٌ لهذه الأنواع من التفاعل التكويني. ليس وكأنك تتوقفين عن التفكير في ذاك الحديث عندما تذهبين إلى أرشيف محكمة النقض بعد ساعةٍ من حوارٍ ما. ذاك الحديث يبقى راسخاً في عقلك، ولازال يتحكّم في الطريقة التي تموضعين فيها جسدك، وفي تجسيدك وفي كيفية تفكيرك بأسئلةٍ معيّنة. ومن ثم يمكنك الانتقال إلى مساحةٍ ثالثة في المساء، إلى لقاءٍ متعلّق بالعمل مثلاً، وأنت مازلت تحملين خلاصة كلّ يومك معك. لا بُدّ وأنك لاحظت عدّة مرّات كيف أن الكتاب يتحرّك عبر تلك المساحات المختلفة. هذا لأنني كنتُ أنا نفسي أتحرّك ضمن تلك المساحات المختلفة. هذا بالتحديد هو الأمر: عليهم أن يتحركوا عبر بعضهم الآخر. إن بدأت التفكير بهذه الطريقة في عملية التواصل الاجتماعي، فإنك تدرك أن كلّ شخص يجلب معه وفي كلّ لحظة دائرته المحيطة المتكاملة. شعرتُ في عام 2019 أنّه بإمكانك لمس كيفية أن كلّ هذه الدورات المتعدّدة لمساحات الدولة ومساحات النشاط السياسي، كانت تتجمّع بطريقةٍ شديدة الديناميكية.
غ.ص: بالعودة إلى المطالبة بدولةٍ قوية، وهذا سؤال أيضاً: دولةٌ أقوى لصالح من؟ بطريقة ما فإن الدولة قويةٌ لصالح بعض الناس. إن نظرنا إلى الدولة، من حيث تشكيلتها وما يفترض بها أن تفعله، فإن هذه مسألة أُخرى، لكن عندما يتعلق الأمر بخدمة مصالح النخبة السياسية، فإنها تغذّي جوهرياً النظام الاقتصادي من حيث طريقة توزيع الثروة، والطريقة التي تحوّلت فيها الدولة إلى مجموعة عملاء للبنك عبر ربط الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي، الأمر الذي يخوّلها الاستدانة دولياً في حين أنها لم تكن قادرةً على القيام بذلك سابقاً. كلّ هذه العوامل بطُرُق ما تُمثّل دولةً قوية للبعض. إذاً، كيف لنا أن نفكّر بالسكسوطائفية في سياق الأزمة الاقتصادية التي نعيشها اليوم، علماً بأن هذه الأزمة الأقتصادية كانت أحد الأُسس التي تشكّلت على أساسها الدولة في لبنان؟
م.م: بالتأكيد هنالك ذاك المستوى الثالث للدولة، وهو أن الدولة تعمل بدأب لصالح قلّةٍ معينة. ما الذي فعلته هذه الأزمة – لستُ واثقةً حتى من أنها تستحق تسمية "الأزمة" بعد الآن – ما فعله هذا الانهيار تلَخَّص في تضييق دائرة الناس الذين تعمل الدولة لصالحهم. أعتقد بأن تلك الدائرة كانت صغيرة ولكنها كانت أوسع قليلاً، بينما الآن أصبحت مُتناهيةً في الصغر. لكن كلّ ذلك يؤكد على أن الدولة متينة جداً. حتى ضمن هذه الدائرة الضيقة جداً، فإنها لا تزال ضمن دائرة التداول وتسيير الأمور والأداء. إنها تنهار، على سبيل المثال فإن القضاء في حالة إضراب مفتوح، مع عواقب مأساوية. حيث لا يمكن للأشخاص المحتجزين الحصول على قُضاة يوقّعون على أوراق إطلاق سراحهم. إن هذه لَعَقبات وخيمة لما قد تبدو عليه الدولة عندما تتوقف فروعها المختلفة عن العمل. لكن هناك فرعٌ واحدٌ يعمل حتى الآن، ألا وهو الفرع الأمني: الجيش والأمن الداخلي والأمن الخارجي. وهذا يُبيّن لك جوهر الدولة، وهي ليست أشياء مثل القانون والخدمات الاجتماعية أو الخدمات الصحّية والتعليم. هذه ليست ضمن جوهر الدولة. جوهر الدولة هو الدولة الأمنية.
يُمكن للسكسوطائفية أن تُساعدنا حالياً بطريقتين تتوارد إلى الفِكر تلقائياً. الأولى تكمن في كيفية رسم تداعيات هذا الانفجار الداخلي لأشكال مختلفةٍ من الاختلافات السياسية، أحدها يحمل بوضوح طابع اختلاف سياسيّ جندريّ وجنسانيّ. وثانياً يكمن في الخطاب الذي يُنشَر – المتمثّل بالذُعر السكسوطائفي والخطاب السياسي – في محاولة إعادة إحياء تلك اللحظة القومية أو فكرة الأمّة خلال هذا الانهيار. لذا بإمكانك التفكير بالذعر هذا الصيف حيال حدث (الفخر، برايد) في بيروت، الأمر الذي كان ذعراً إقليمياً، بل عالمياً في واقع الأمر. لكن هنالك عبثية في مشاهدة الناس سواء في الأشرفية وهم يمزّقون اللوحات الإعلانية، أم تجمّع أناس آخرين عند جامع عبد الناصر في مواجهات واحتجاجات ضد المثليين (الفخر، برايد). أفكّر دوماً حيال الاحتجاجات أمام جامع عبد الناصر على وجه الخصوص – لأنني من هذا المكان من بيروت وحيث تعيش عائلتي – وذلك بسبب عبثية اللحظة. إنك تقفين في منطقة المزرعة المظلمة بسبب انقطاع التيار الكهربائي، في منتصف الصيف، حيث اجتمع الناس، وما يجمعهم معاً في هذه اللحظة التاريخية تحديداً هو خطاب مُعاداة المثلية المرتبط بخطاب معاداة الزواج المدني، وهو زواج استمر لعقود ضمن الخطاب السياسي. إن هذا النوع من الذعر السكسوطائفي جرت تغذيته بشكل مقصود من قِبل القيادة السياسية ومن وزارة الداخلية كطريقة لإظهار قدرة الدولة على أداء مهامها. هذا جزء واحدٌ منها.
جزءٌ آخر من الأمر هو ما يجري حالياً حيال اللاجئين السوريين، حيث يقول الناس مجدداً، "لولا وجود اللاجئين السوريين ما كنّا لنُعاني من هذه الأزمة الاقتصادية". حسناً، لو لم تسرقوا كلّ شيء، ما كنّا لنكون في هذه الأزمة الاقتصادية. وإجابة الدولة على هذا الأمر كانت البدء في إعادة اللاجئين السوريين عنوةً، الأمر الذي جرى إعلانه قبل أسبوع كما تعلمين. مجدداً فإن هناك ذاك الذعر السكسوطائفي العميق والديموغرافي حيال معدّل الولادات لدى السوريين، كم من الناس يولدون، والمسألة الديموغرافية. إذاً فإن هناك جانبَين للذعر، وكلاهما مجرَّب وحقيقي ولهما تاريخ طويل. أحدهما متمحور حول السياسات الجنسية، سواء كان متعلّق بالزواج المدني أم بالكويريين وحقوقهم ووجودهم، والآخر متمحور حول كراهية الأجانب، أي التوزيع الديموغرافي وجنسانية النساء ومعدّلات الولادة وذعر الطائفية السكسوطائفي – الذعر المتعلق بالتوزيع الديموغرافي.
غ.ص: يبدأ الكتاب بقولك إنه ليس عن الكويرية أو حركة الميم عين كهوية، بل في أنه يرتبط مع الكويرية بكون الكويرية موجودة في كل مجالات الحياة: بوفرة. هلّا أخبرتنا أكثر عن كيف لا يُعَدّ فقط كتاباً كويرياً، لكن أيضاً استشرافاً كويرياً تجاه الحياة وتصوّراً سياسياً لما قد يكون في لحظة زمنية كئيبة كتلك التي نعيشها اليوم؟
م.م: عندما قلتُ إنّ هذا ليس كتاباً ذا موضوعاتٍ كويرية – أو أُحاجج بأن الكويريين موجودين أو غير موجودين، بأنهم عملاء إمبرياليون أم ليسوا بعملاءٍ إمبرياليين – فإنني أٌقدم طرحاً ضعيفاً جداً لهذا الحوار، لكنه بالنسبة إليّ حوار يُهمل حقيقة الحياة الكويرية في لبنان وفي كلّ مكان، والحياة الكويرية في الممارسة. عندما أفكّر بالمجتمع السياسي في لبنان، عندما أفكّر بحياتي في لبنان، فإنه من الجليّ بالنسبة لي أنه وبغض النظر عن هذا الجدال حيال الكويرية، فإن الكويريين في كلّ مكان، في كلّ أنواع المجموعات الممكنة. هذا الامتلاء للحياة الكويرية والواقع الصارخ لها، يتمتّع بأهمية سياسية علينا التمسّك بها، ولهذا السبب ترين في ذاك الفصل عن "مسيرة العلمانيين نحو المواطنة"، يحاجج الكويريون أنفسهم، ويستشيطون غضباً من بعضهم الآخر حيال ما قد تعنيه المسيرة العلمانية، وكيفية تنظيمها ومع مَن يجب تنظيمها، وما هي المساحة للسياسة الكويرية. إن القول بأن الكويريين اختلفوا بشكل جوهري فيما يتعلق بتنظيم هذا الحدث وكيف يجب أن يسير، هو للقول فعلياً بأن الحياة الكويرية مُعترَفٌ بها لدرجة أن الناس يخوضون هذه الجدالات. إنهم لا يجادلون حيال مَن نكون وما هو مكاننا، بل يجادلون من مكان قوة وتنوّع ضمن الحركة نفسها.
بالنسبة لي فإنه وصْفٌ دقيق القول بأن كتابة عمل أكاديمي عن لبنان اليوم، لا يجب بالضرورة أن يكون عن الكويرين للاعتراف بالدور الذي يلعبه الكويريون والسياسات الكويرية.
غ.ص: ربما لا ينطبق هذا على الجميع، ولكن المرور بخبرة عنف الدولة يضعنا بشكل آلي في مواجهة مباشرة مع هذه البنى وفي تنظيم مضاد لها. يوجد رصيد هنا لا يتعلق فقط بكيفية استهداف شخصيات محددة بشكل خاص في لحظة محددة من الزمن، ولكن لكيفية وجود شيء ما أكثر ارتباطاً بالنظام فيما يخصّ ما نعيشه.
م.م: نعم، وبطرق معقّدة، فهذا الذعر الطائفي من "فخر المثليين" يعيد تدوير واقع حياة الكويريين في المدينة. ولا أعرف أي شخص نسوي أو كوير أو منتمٍ لأي جماعة مستضعفة إلا ومر بتجربة الخوف من الدولة. لا أعرف أي شخص لم يتعرّض للخوف الموجّه من الدولة. ربما يكون ذلك راجعاً لتجربة فردية أو ذلك النمط من القصص التي يحكيها الناس في الحيز الاجتماعي. وهذا لا يُعَدّ وعياً غير مألوف بالدولة، بالعودة إلى فكرة أن متعاطي المخدرات لديه أيضاً خوف من الدولة. ولو كنت عاملاً مهاجراً فإن لديك خوف من الدولة. أعتقد أن هناك نمطاً محدداً من السلطة تتضمّنه المعرفة الجمعية، بالتأكيد على أنها تنتشر عبر جماعة كبيرة للغاية ومتنوعة من الناس في تموضع مقابل للدولة.
غ.ص: كل هذا يجعلني أفكّر بشأن المستقبلية. بشكل ما، هي أمر دمّرته تقريبا السنوات القلية الماضية، بمعنى أنه ربما كان هناك إضفاء للرومانسية عند التفكير في المستقبل، أو استثماره في فكرة عن المستقبلية السياسية وهذا المفهوم أو المعتقد، أو أمل ساذج في أن المعارك التي نواجهها اليوم ستحدّد شكل العالم الذي لم يأتِ بعد إلى الوجود.
م.م: أعتقد أنه من المهمّ تذكّر أنّ هذه اللحظة كانت سيّئة بشكل استثنائي. من الصعب بمكان، أن تجلس وتفكّر أو تحلم بنمط ما من المستقبلية أو تتخيلها. ولكن هذا هو حال الناس. ولا يعني مجرد كون هذه اللحظة سيئة بشكل استثنائي أي أن الناس لم يكن لديهم عبر التاريخ رغبات وخيال وأحلام يقظة في اللحظات السيئة الاستثنائية. كثيراً ما أعود إلى نقاش مع شخص يعرفه كلانا يا غوي. فقد كانت لي تعليقات ساخرة في الكثير من عملي الخاص بالحركة الاجتماعية في لبنان وأنا شخص ساخر. واعتاد هذا الشخص دائماً أن يقول لي "حسنٌ يا مايا، ماذا بعد؟ ماهذا بحقّ الجحيم، يجب أن نفعل شيئاً، ما الهدف من ألا نقوم بعمل شيء". الهدف هو أن نفعله. الهدف ليس النتيجة. الهدف هو فعل شيء لأنه يجب فعل شيء. لا يزال مهما أن تحاول حتى ولو كنت تعرف أنه سوف يفشل. وأعتقد بشكل ما أن هذا هو قضية المستقبلية. إن الأمر لا يرتبط بالنتيجة فهو مرتبط بالعملية نفسها وبالممارسة والفعل. ولو أمكنك العمل خلال هذه اللحظات من المعاناة الثقيلة فهو ممارسة للمستقبلية وهي مجدداً لا تتعلق بتوقّع بناء بديل ولكن بالإصرار على أن هناك بدائل.
غ.ص: إنها لملاحظة جميلة نختم بها. شكراً يا مايا. من دواعي السرور دائماً إجراء حوار معك والتعلّم منك. إذن كتابك السكسطائفية متاح في Stanford University Press وأتطلّع إلى حوارات عديدة أخرى معك نأمل في مشاركتها مع المستمعين والمتابعين في لبنان أو عبر العالم.
تمّ انتاج هذه الحلقة بالتعاون مع مؤسّسة هاينريش بُل – مكتب الشرق الأوسط، بيروت.